Sunday, November 18, 2007

علي جمعة .. وفتاوى الشبهات

كثيرة هي أحداث السنة المتلاحقة فلا تبدأ في الاستماع إلى خبر حتى تنتهي إلى آخر .. سياسة حاميةٌ وطيسها ، واقتصادٌ على سلم تصاعدي وتنازلي ، برمجيات وتقنيات مستحدثة .. أحداث متلاحقة نحاول مواكبتها . كل ذلك مقبول أن تعتريه التطورات والعولمة والمنافع السياسة والاقتصادية ، ولكن أن يسري ذلك على الفتوى لتصبح وسيلة نلوي عنقها لتواكب ما نراه حضارياً ، أو لتوافق أهواءً نبتغيها .. ! فهذا هو علي جمعة مفتي الديار المصرية ( حالياً ) .
ولا أدرى حقيقةً ما الغاية من وراء تلك الزوابع الإفتائية ، فبرغم الأزمات وردات الأفعال المستنكرة والمستاءة - سواءً لدى الفقهاء أو عامة المسلمين - مازال ( بطلنا ) صاحب الكرسي يصرّ على إطلاق فتاوي مدوية ؛ حتى لاينسى الناس اسمه بعد حين ! فليستفزنا بفتواه ما دام أنه على كرسيه فهو الملك.
في عامنا هذا تجرعنا قدراً لا بأس به من إفتاءات تخلِّد اسمه على صفحات التاريخ أيا كان لون الصفحة ، المهم أنه كُتب ! نذكر - على سبيل المثال لا الحصر - فتوى التبرك ببول الرسول صلى الله عليه وسلم، مدعياً أن ذلك ثابت في الصحيح وأنه لا يستطيع إنكاره من أجل إرضاء عقلية الخرافة ! ولعله نسي أنه بشرٌ رسول كما عيسى عليه السلام و العذراء في الخطاب القرآني " كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون" فرسولنا عليه السلام يسري عليه ما يسري على البشر من طهور وغسل وتنزّهٍ من الحدث والاحتياج إلى الطعام ! فإن كان بوله طاهراً صالحاً للتبرك فأين بشريته ؟ ، وأين ذلك من قوله تعالى " إنما أنا بشر مثلكم" مثلكم ولست غيركم ، وأين ذلك من دعوته عليه السلام حين أوصانا فقال " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم فإنما أنا عبدٌ، فقولوا عبد الله ورسوله " بل ويزيدنا من القصيد بيتاً فيفتينا بثبوت رؤية النبي يقظةً بالدليل القطعي مستدلاً بحديث صحيح مسلم" من رآني في المنام فسيراني في اليقظة أو لكأنما رآني في اليقظة "! كيف لا ؟ وهو شخصياً قد رآه بالفعل ولا يستطيع أن ( يكذب ) فيدعي غير ذلك لأن أصحاب عقلية الخرافة ( أمثالنا ) لا يؤمنون بذلك ! وليس هو فقط بل إن شيخه المرسي أبو العباس كان يرى الرسول عليه السلام يقظةً كل يوم " شي الله يا مرسى ! " وفي الحديث - عند مسلم - شك من الراوي حيث يقول " فسيراني في اليقظة أو لكأنما رآني في اليقظة" وما يثبت صحة ذلك رواية البخاري عن أنس رضي الله عنه "من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي" وللقرطبي قول في ذلك : قال القرطبي :" اختلف في معنى الحديث فقال قوم هو على ظاهره فمن رآه في النوم رأى حقيقته كمن رآه في اليقظة سواء , قال وهذا قول يدرك فساده بأوائل العقول , ويلزم عليه أن لا يراه أحد إلا على صورته التي مات عليها وأن لا يراه رائيان في آن واحد في مكانين وأن يحيا الآن ويخرج من قبره ويمشي في الأسواق ويخاطب الناس ويخاطبوه ويلزم من ذلك أن يخلو قبره من جسده فلا يبقى من قبره فيه شيء فيزار مجرد القبر ويسلم على غائب لأنه جائز أن يرى في الليل والنهار مع اتصال الأوقات على حقيقته في غير قبره , وهذه جهالات لا يلتزم بها من له أدنى مسكة من عقل ! . والصحيح في تأويل هذا الحديث أن مقصوده أن رؤيته في كل حالة ليست باطلة ولا أضغاثا بل هي حق في نفسها ولو رئي على غير صورته فتصور تلك الصورة ليس من الشيطان بل هو من قبل الله ،وقال: وهذا قول القاضي أبي بكر بن الطيب وغيره , ويؤيده قوله " فقد رأى الحق " أي رأى الحق الذي قصد إعلام الرائي به" وقال ابن بطال : قوله " فسيراني في اليقظة " يريد تصديق تلك الرؤيا في اليقظة وصحتها وخروجها على الحق" ولو قلنا فرضاً أن الحديث على ظاهره فيصح فيه تفسيره قول(ابن التين) أن يكون المراد من آمن به في حياته ولم يره لكونه حينئذ غائبا عنه فيكون بهذا مبشرا لكل من آمن به في حياته ولم يره أنه لا بد أن يراه في اليقظة قبل موته ،كذا قاله القزاز والمازري احتمال أن يكون أراد أهل عصره ممن يهاجر إليه فإنه إذا رآه في المنام جعل علامة على أنه يراه بعد ذلك في اليقظة " فلو أن ( شيخنا الجليل ) فتح كتب السلف فقط !واعمل فيها العقل ما التبس عليه الأمر ولعلم استحالة ذلك ، وإلا لظهر النبي عليه السلام ليفصل بين الناس يوم صفين ، أوليقضي في الفتن المتلاحقة ، أولينتصر لعلي كرم الله وجهه . وبرغم أن نبينا لم يتجل في كل تلك المواقف العصيبة فقد تجلى لشيخنا الجليل حين كان منهمكاً في قراءة كتب السيرة !! . فليكن .. فنحن نقرأ في القرآن مصدر التشريع الأول " إنك ميتٌ وإنهم ميتون" وسنظل نقرؤها إلى يوم الدين .
ومن التصوف والأولياء الصالحين يبحر بنا نحو العلمانية فينكر على قرار وزير الداخلية المصري عدم إثباته الهوية الدينية لأربعمائة ( مرتد ) اعتنقوا المسيحية حيث قضت المحكمة بعدم جواز إخراج بطاقات هوية مسيحية لهم واعتبارهم مرتدين ، ولكن شيخنا تعاطف معهم ومع هويتهم الضائعة قائلاً بنص فتواه " هؤلاء المسيحيون وإن كانوا مرتدين عن الإسلام من الناحية الفقهية فإن الحقوق المدنية المترتبة على ارتدادهم عن دين الإسلام تجاه الدولة والهيئة الاجتماعية... أمر يرجع إلى جهة الإدارة بحساب المنافع والمضار، ومدى موافقة هذا التصرف للدستور والقوانين المعمول بها، ومدى تأثيره على الأمن الاجتماعي والسلامة القومية، وكل ذلك يتعلق بالحياة المدنية التي تعد الإدارة مسئولة عنها بغض النظر عن الحكم الديني في المسألة " فلتغضوا الطرف عن الحكم الديني أيها الناس ؛ لينعم المرتدون بحقوقهم الجديدة كمسيحيين ومباركٌ عليهم الدين الذي اعتنقوا ! فليسر القانون فى اتجاهٍ والفقة فى اتجاه آخر ، وتعساً لمن يخلط الأمور ! .
وحين تتكبد المرأة المسلمة في الدول الأجنبية العناء لإثبات هويتها الإسلامية وفرض احترام ممارساتها الدينية يخرج لنا مفتينا فتوى تقول : "بأن ارتداء المرأة المسلمة للنقاب في بلد أجنبي لا يصح؛ لأنه من غير عادة أهل البلد، الأمر الذي قد يسبب مشكلة سياسية " ! .وكأنها بنقابها المسئول الأول عن كل المشكلات السياسية وعن حركة السلام الراكدة !. أم أنه يحق لهذا الأجنبي أن يمارس في بلادنا العري على شواطيء أرضنا ويشرب الخمر ويأتي بكل ماهو ليس من ديننا وعرفنا وعاداتنا ونرحب ! فهو لا يخدش حياءنا مادام يزيد في دخلنا القومي !ولو أنه علل فتواه بالخوف على المرأة المسلمة من الضرر الذي قد يلحق بها لكان أهون الخطأين ، فبغض النظر عن كون النقاب مسألة خلافية بين الفقهاء - ولكل فريق أدلته وحججه - فهذا لا يبيح له أن يفتي بعدم جواز ارتدائه فى ديار الغرب ليرضي قوماً كافرين .
وفي هذا الشهر عشنا مأساة مصرية أخرى تذكرنا بعبارة السلام .. وهي فاجعة غرقى الشباب المصريين أمام السواحل الإيطالية ، ولعل وجه الخلاف الوحيد بين شهيد العبارة وشهيد السواحل الإيطالية أن الأول كان عائداً من رحلة مضنية للبحث عن الرزق والكفاف ، والثاني كان ذاهباَ للبحث عن أبواب ( مفتوحة ) للرزق والكفاف وبرغم أن الفارق بينهما ذهابٌ وعودة ٌ، من وإلى غاية واحدة ، إلا أن شيخنا المبجل له رأيٌ آخر ! فهو يرى أن الشباب المصريين الذين غرقوا قبالة السواحل الإيطالية "طماعون وليسوا بشهداء؛ لأنهم لم يذهبوا في سبيل الله !، وإنما ذهبوا من أجل أطماع مادية! ، وألقوا بأنفسهم في التهلكة في نوع من المغامرة !" !!نعم ، طماعون لأنهم لم يجدوا في بلادهم قوت يومهم ، ولا أيدٍ تمسح على معاناتهم ؛ فآثروا بيع كل ما يمتلكون من أجل السفر بحثاً عن رزقهم ورزق من يعولون ،على أن يتكففوا الناس أو يسرقوا أو يتاجروا في مالٍ حرمه الله . أليست هذه أسبابٌ مشروعة للسفر ؟! أليس من حق المفجوعين على غرقاهم أن نكفف دموعهم بدلاً من الحرص على زيادة رصيد معاناتهم ؟ وهب ( أيها الشيخ الجليل ) أن لك أخاً ، أبناً ، قريباً ضاقت به السبل فركب البحر فغرق مع من غرق ، هل أنت في الحالتين سواء ؟ أم ستنعيه شهيداً يسري في حقه قول الرسول عليه السلام " الشهداء ‏ ‏ الغرق ‏ ‏والمطعون ‏ ‏والمبطون ‏ ‏والهدم " وستذكر حينها أن الشهادة مترتبة على علة الغرق لا علة أسباب ركوب البحر. فليرحم الله غرقى العبارة وغرقى السواحل الإيطالية وليتقبلهم شهداء آخرة !، آمين .
وآخر ما ترامى إلى مسامعي .. فتوى صدَّق عليها علي جمعة في حق فلاحي الأرز والقطن حيث أفتت دار الإفتاء المصرية " بأن قيام بعض المزارعين بحرق قش الأرز وحطب القطن هو نوع من الإفساد في الأرض، وأنه من المحرمات الكبرى !،ويعد إفساداً في الأرض وبغيا بغير حق، وهو من الكبائر التي نص القرآن الكريم على تحريمها !"، وجاء ذلك استناداً على القاعدة الشرعية " لا ضرر ولا ضرار" ففي هذا التصرف عامل كبير من عوامل تكوين السحابة السوداء التي هي من أكثر مظاهر التلوث البيئي " .
جيدٌ أن يؤخذ على يد الفلاح إهماله وإفساده في حق بيئته بفتوى رادعه جازمة تحرم الفعل لحد الكبيرة ، والأجمل أن تصدر فتوى أخرى مماثلة مُصدَّقة في حق المحاكم العسكرية ، والاعتقالات والتعذيبات ، وفي حق كل من يجلس على كرسي ولا يؤدي حقه فيتق الله ويرحم عباد الله .
رحم الله شيخنا جاد الحق - مفتي سابق للديار المصرية - إذ رحمنا حين أفتى ، وأخرجنا من هذه المحنة على خير ! .
آمـــــين

2 Comments:

Blogger شهريار said...

السلام عليكم اهلاً يشمك

المشكلة ان المدرسة الدينية منذ عصور حاولت ان تستاثر في الدين وجعلت منه شيء ليس في متناول الجميع وهذا ما جعل المدرسة الدينية لا تقبل النقد الذي يصدر من خارج أروقة المدرسة
وليت الامر يتوقف عند بعض الفتاوي التي نستطيع نسميها فتاوى عبثية تطلق بمجرد التسلية او يطلقها المفتي بين الحين و الأخر ليكون دائماً تحت الأضواء
المشكلة تتعدى هاذا هناك فتاوى اخطر من هاذه وكل هاذا بسبب الكهنوت الديني الذي نعيش فيه منذ عصور
انا هنا لا انتقد المدرسة الدينية كاكل
لكنني أنتقد المنهج الذي تتبعه وطريقة تعاطيها معا العامة
يجب على المدرسة الدينية أن تفكر بجدية في أدخال الأكاديمين و المثقفين الى أروقت المدرسة وان تستمع الى الأصوات التي تنادي من خلف أسوارها



ملاحظة : لقد أستعرت او (سرقت) الصورة التي في مقدمة المدونة لأنني فاشل في الفوتو شوب و غيرها من الطرق التي تستخدم للكاتبه على الصور وما شابه فا سمح لي عزيزي أنها أستعاره مؤقته
الى ان يمن الله علي واتعلم



جميلة هي مدونتك انا من المتابعين
عمت مساء سيدي

Sunday, November 25, 2007  
Blogger اليشمك said...

وعليكم السلام أخي / شهريار
حقيقة - إن كنت تقصد بالمدرسة الدينية الأزهر - الأمر لا يتعلق بكون الأزهر المسئول عن حالة الجمود الموصوف بها و تراجع دوره المتعدد في مجالات السياسة والعلم والثقافة والدين ، ولكن الأمر مرهون بالحكومات المسئولة عن انحسار دور الجامعة الأزهرية حتى بدى الأزهر كرجل عجوز على مشارف السبعين ،ومرهون بمخططات المؤسسة الكهنوتية الدينية في بلاد الحرمين ؛ لسحب البساط السياسي والديني والدور الفاعل من الأزهر الشريف بشكل خاص ومن مصر بشكل عام .

أما بخصوص الصورة .. فالمدونة لكم ومنكم جميعاً، فليست هناك من مشكلة في الاحتفاظ بها، ولكن بما أنها تحمل طابع مدونتي ففضلاً أحتفظ بها في جهازك ولا تستخدمها كشعار .

أشكرك على المرور

أختك / اليشمك

Sunday, November 25, 2007  

Post a Comment

<< Home