Sunday, November 18, 2007

علي جمعة .. وفتاوى الشبهات

كثيرة هي أحداث السنة المتلاحقة فلا تبدأ في الاستماع إلى خبر حتى تنتهي إلى آخر .. سياسة حاميةٌ وطيسها ، واقتصادٌ على سلم تصاعدي وتنازلي ، برمجيات وتقنيات مستحدثة .. أحداث متلاحقة نحاول مواكبتها . كل ذلك مقبول أن تعتريه التطورات والعولمة والمنافع السياسة والاقتصادية ، ولكن أن يسري ذلك على الفتوى لتصبح وسيلة نلوي عنقها لتواكب ما نراه حضارياً ، أو لتوافق أهواءً نبتغيها .. ! فهذا هو علي جمعة مفتي الديار المصرية ( حالياً ) .
ولا أدرى حقيقةً ما الغاية من وراء تلك الزوابع الإفتائية ، فبرغم الأزمات وردات الأفعال المستنكرة والمستاءة - سواءً لدى الفقهاء أو عامة المسلمين - مازال ( بطلنا ) صاحب الكرسي يصرّ على إطلاق فتاوي مدوية ؛ حتى لاينسى الناس اسمه بعد حين ! فليستفزنا بفتواه ما دام أنه على كرسيه فهو الملك.
في عامنا هذا تجرعنا قدراً لا بأس به من إفتاءات تخلِّد اسمه على صفحات التاريخ أيا كان لون الصفحة ، المهم أنه كُتب ! نذكر - على سبيل المثال لا الحصر - فتوى التبرك ببول الرسول صلى الله عليه وسلم، مدعياً أن ذلك ثابت في الصحيح وأنه لا يستطيع إنكاره من أجل إرضاء عقلية الخرافة ! ولعله نسي أنه بشرٌ رسول كما عيسى عليه السلام و العذراء في الخطاب القرآني " كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون" فرسولنا عليه السلام يسري عليه ما يسري على البشر من طهور وغسل وتنزّهٍ من الحدث والاحتياج إلى الطعام ! فإن كان بوله طاهراً صالحاً للتبرك فأين بشريته ؟ ، وأين ذلك من قوله تعالى " إنما أنا بشر مثلكم" مثلكم ولست غيركم ، وأين ذلك من دعوته عليه السلام حين أوصانا فقال " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم فإنما أنا عبدٌ، فقولوا عبد الله ورسوله " بل ويزيدنا من القصيد بيتاً فيفتينا بثبوت رؤية النبي يقظةً بالدليل القطعي مستدلاً بحديث صحيح مسلم" من رآني في المنام فسيراني في اليقظة أو لكأنما رآني في اليقظة "! كيف لا ؟ وهو شخصياً قد رآه بالفعل ولا يستطيع أن ( يكذب ) فيدعي غير ذلك لأن أصحاب عقلية الخرافة ( أمثالنا ) لا يؤمنون بذلك ! وليس هو فقط بل إن شيخه المرسي أبو العباس كان يرى الرسول عليه السلام يقظةً كل يوم " شي الله يا مرسى ! " وفي الحديث - عند مسلم - شك من الراوي حيث يقول " فسيراني في اليقظة أو لكأنما رآني في اليقظة" وما يثبت صحة ذلك رواية البخاري عن أنس رضي الله عنه "من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي" وللقرطبي قول في ذلك : قال القرطبي :" اختلف في معنى الحديث فقال قوم هو على ظاهره فمن رآه في النوم رأى حقيقته كمن رآه في اليقظة سواء , قال وهذا قول يدرك فساده بأوائل العقول , ويلزم عليه أن لا يراه أحد إلا على صورته التي مات عليها وأن لا يراه رائيان في آن واحد في مكانين وأن يحيا الآن ويخرج من قبره ويمشي في الأسواق ويخاطب الناس ويخاطبوه ويلزم من ذلك أن يخلو قبره من جسده فلا يبقى من قبره فيه شيء فيزار مجرد القبر ويسلم على غائب لأنه جائز أن يرى في الليل والنهار مع اتصال الأوقات على حقيقته في غير قبره , وهذه جهالات لا يلتزم بها من له أدنى مسكة من عقل ! . والصحيح في تأويل هذا الحديث أن مقصوده أن رؤيته في كل حالة ليست باطلة ولا أضغاثا بل هي حق في نفسها ولو رئي على غير صورته فتصور تلك الصورة ليس من الشيطان بل هو من قبل الله ،وقال: وهذا قول القاضي أبي بكر بن الطيب وغيره , ويؤيده قوله " فقد رأى الحق " أي رأى الحق الذي قصد إعلام الرائي به" وقال ابن بطال : قوله " فسيراني في اليقظة " يريد تصديق تلك الرؤيا في اليقظة وصحتها وخروجها على الحق" ولو قلنا فرضاً أن الحديث على ظاهره فيصح فيه تفسيره قول(ابن التين) أن يكون المراد من آمن به في حياته ولم يره لكونه حينئذ غائبا عنه فيكون بهذا مبشرا لكل من آمن به في حياته ولم يره أنه لا بد أن يراه في اليقظة قبل موته ،كذا قاله القزاز والمازري احتمال أن يكون أراد أهل عصره ممن يهاجر إليه فإنه إذا رآه في المنام جعل علامة على أنه يراه بعد ذلك في اليقظة " فلو أن ( شيخنا الجليل ) فتح كتب السلف فقط !واعمل فيها العقل ما التبس عليه الأمر ولعلم استحالة ذلك ، وإلا لظهر النبي عليه السلام ليفصل بين الناس يوم صفين ، أوليقضي في الفتن المتلاحقة ، أولينتصر لعلي كرم الله وجهه . وبرغم أن نبينا لم يتجل في كل تلك المواقف العصيبة فقد تجلى لشيخنا الجليل حين كان منهمكاً في قراءة كتب السيرة !! . فليكن .. فنحن نقرأ في القرآن مصدر التشريع الأول " إنك ميتٌ وإنهم ميتون" وسنظل نقرؤها إلى يوم الدين .
ومن التصوف والأولياء الصالحين يبحر بنا نحو العلمانية فينكر على قرار وزير الداخلية المصري عدم إثباته الهوية الدينية لأربعمائة ( مرتد ) اعتنقوا المسيحية حيث قضت المحكمة بعدم جواز إخراج بطاقات هوية مسيحية لهم واعتبارهم مرتدين ، ولكن شيخنا تعاطف معهم ومع هويتهم الضائعة قائلاً بنص فتواه " هؤلاء المسيحيون وإن كانوا مرتدين عن الإسلام من الناحية الفقهية فإن الحقوق المدنية المترتبة على ارتدادهم عن دين الإسلام تجاه الدولة والهيئة الاجتماعية... أمر يرجع إلى جهة الإدارة بحساب المنافع والمضار، ومدى موافقة هذا التصرف للدستور والقوانين المعمول بها، ومدى تأثيره على الأمن الاجتماعي والسلامة القومية، وكل ذلك يتعلق بالحياة المدنية التي تعد الإدارة مسئولة عنها بغض النظر عن الحكم الديني في المسألة " فلتغضوا الطرف عن الحكم الديني أيها الناس ؛ لينعم المرتدون بحقوقهم الجديدة كمسيحيين ومباركٌ عليهم الدين الذي اعتنقوا ! فليسر القانون فى اتجاهٍ والفقة فى اتجاه آخر ، وتعساً لمن يخلط الأمور ! .
وحين تتكبد المرأة المسلمة في الدول الأجنبية العناء لإثبات هويتها الإسلامية وفرض احترام ممارساتها الدينية يخرج لنا مفتينا فتوى تقول : "بأن ارتداء المرأة المسلمة للنقاب في بلد أجنبي لا يصح؛ لأنه من غير عادة أهل البلد، الأمر الذي قد يسبب مشكلة سياسية " ! .وكأنها بنقابها المسئول الأول عن كل المشكلات السياسية وعن حركة السلام الراكدة !. أم أنه يحق لهذا الأجنبي أن يمارس في بلادنا العري على شواطيء أرضنا ويشرب الخمر ويأتي بكل ماهو ليس من ديننا وعرفنا وعاداتنا ونرحب ! فهو لا يخدش حياءنا مادام يزيد في دخلنا القومي !ولو أنه علل فتواه بالخوف على المرأة المسلمة من الضرر الذي قد يلحق بها لكان أهون الخطأين ، فبغض النظر عن كون النقاب مسألة خلافية بين الفقهاء - ولكل فريق أدلته وحججه - فهذا لا يبيح له أن يفتي بعدم جواز ارتدائه فى ديار الغرب ليرضي قوماً كافرين .
وفي هذا الشهر عشنا مأساة مصرية أخرى تذكرنا بعبارة السلام .. وهي فاجعة غرقى الشباب المصريين أمام السواحل الإيطالية ، ولعل وجه الخلاف الوحيد بين شهيد العبارة وشهيد السواحل الإيطالية أن الأول كان عائداً من رحلة مضنية للبحث عن الرزق والكفاف ، والثاني كان ذاهباَ للبحث عن أبواب ( مفتوحة ) للرزق والكفاف وبرغم أن الفارق بينهما ذهابٌ وعودة ٌ، من وإلى غاية واحدة ، إلا أن شيخنا المبجل له رأيٌ آخر ! فهو يرى أن الشباب المصريين الذين غرقوا قبالة السواحل الإيطالية "طماعون وليسوا بشهداء؛ لأنهم لم يذهبوا في سبيل الله !، وإنما ذهبوا من أجل أطماع مادية! ، وألقوا بأنفسهم في التهلكة في نوع من المغامرة !" !!نعم ، طماعون لأنهم لم يجدوا في بلادهم قوت يومهم ، ولا أيدٍ تمسح على معاناتهم ؛ فآثروا بيع كل ما يمتلكون من أجل السفر بحثاً عن رزقهم ورزق من يعولون ،على أن يتكففوا الناس أو يسرقوا أو يتاجروا في مالٍ حرمه الله . أليست هذه أسبابٌ مشروعة للسفر ؟! أليس من حق المفجوعين على غرقاهم أن نكفف دموعهم بدلاً من الحرص على زيادة رصيد معاناتهم ؟ وهب ( أيها الشيخ الجليل ) أن لك أخاً ، أبناً ، قريباً ضاقت به السبل فركب البحر فغرق مع من غرق ، هل أنت في الحالتين سواء ؟ أم ستنعيه شهيداً يسري في حقه قول الرسول عليه السلام " الشهداء ‏ ‏ الغرق ‏ ‏والمطعون ‏ ‏والمبطون ‏ ‏والهدم " وستذكر حينها أن الشهادة مترتبة على علة الغرق لا علة أسباب ركوب البحر. فليرحم الله غرقى العبارة وغرقى السواحل الإيطالية وليتقبلهم شهداء آخرة !، آمين .
وآخر ما ترامى إلى مسامعي .. فتوى صدَّق عليها علي جمعة في حق فلاحي الأرز والقطن حيث أفتت دار الإفتاء المصرية " بأن قيام بعض المزارعين بحرق قش الأرز وحطب القطن هو نوع من الإفساد في الأرض، وأنه من المحرمات الكبرى !،ويعد إفساداً في الأرض وبغيا بغير حق، وهو من الكبائر التي نص القرآن الكريم على تحريمها !"، وجاء ذلك استناداً على القاعدة الشرعية " لا ضرر ولا ضرار" ففي هذا التصرف عامل كبير من عوامل تكوين السحابة السوداء التي هي من أكثر مظاهر التلوث البيئي " .
جيدٌ أن يؤخذ على يد الفلاح إهماله وإفساده في حق بيئته بفتوى رادعه جازمة تحرم الفعل لحد الكبيرة ، والأجمل أن تصدر فتوى أخرى مماثلة مُصدَّقة في حق المحاكم العسكرية ، والاعتقالات والتعذيبات ، وفي حق كل من يجلس على كرسي ولا يؤدي حقه فيتق الله ويرحم عباد الله .
رحم الله شيخنا جاد الحق - مفتي سابق للديار المصرية - إذ رحمنا حين أفتى ، وأخرجنا من هذه المحنة على خير ! .
آمـــــين

Thursday, October 18, 2007

! جُرحنا .. عيد



زرنا موتانا في يوم العيد

وقرأنا فاتحة القرآن ، ولملمنا أهداب الذكرى

وبسطناها في حضن المقبرة الريفية


وجلسنا، كسرنا خبزاً وشجوناً


وتساقينا دمعاً و أنيناً


وتصافحنا، وتواعدنا، وذوي قربانا


أن نلقى موتانا في يوم العيد القادم


يا موتانا


لا تنسونا .. حتى نلقاكم

لا تنسونا .. حتى نلقاكم


صلاح عبد الصبور

Thursday, June 14, 2007

! رجفات قلم


هل مررت يوماً ما في طريق ذهابك وإيابك بمطار مدينتك ؛ لتتأمل لحظات الوداع واللقاء وما فيها من عواطف إنسانية مختلفة ؟ .. فهذا يتهلف في انتظار حبيب وتترقرق عيناه وتلمعان جذلاً وابتهاجاً، وهذا يبكي فراقه .. ولعل حرقته وحزنه تشعرك أنه يودعه وداعاً أبدياً لتنهال شلالات الدموع الحارقة متوجة ذلك المشهد الإنساني بفيض من المشاعر الرقيقة الجياشة . في كلا الحالتين دموعٌ معبرة ! أحضانٌ وحنين ، كلماتٌ تلامس القلوب فتؤنسها ، ونظراتٌ تحدِّث الروح بعظم مكانتها حتى تشعرها أنها وطنٌ لذلك الحبيب المودَع والمستقبَل ، فتشعر أنت أيها المتأمل أنك في جنة للأرواح الطيبة والكلمات الصادقة والمشاعر المتأججة ، فتتعجب من حولك وتتسائل أين يعيش هؤلاء في دنيانا ؟ أم أننا نعاشرأناساً آخرين غيرهم ؟! وأين نعيش نحن من هؤلاء ؟ فتجيبك الحقيقة .. بلى ، هم من نعاشر ونخالط ، ونختلف معهم ونتفق ، ونصالحهم فيصدون، يتوددون إلينا فنجافيهم . وكأننا جميعاً غير البشر الذين يلتقون عند أروقة المطارات مودعين ومستقبلين ، أم أننا نشحذ عواطفنا للحظات نحتاجها فقط ثم ننسى في خضم زحمة الحياة أننا نحمل بين جوانحنا قلوباً نابضة لأحبائها ؟! قد تضيع في زحمة الطريق وتسارع الناس أوراقاً وحقائب ومقتنيات ننساها سهواً منا ، ولكن أن تضيع سهواً مشاعرنا .. !لعلها عولمة المشاعر وحداثتها يفرض علينا نوعاً من التواصل يتماشى مع الصورة الكلية للحضارة المزعومة والتقنية المستوردة ، وبما أننا مقلدون لا نتقن صنع شيء ، وبما أننا لا نتقن إلا عواطفنا طورناها بشكل يجعلنا مبدعين بجدارة ! .ثم تكثر أخطاء ما أبدعنا ؛ فنسارع بإلقاء أخطائنا على عبارات تهترأت وبكت حتى اشتكت من كثرة ما جئنا ورحنا عليها متعللين بها نتوارى من عجزنا وضعفنا ... اليوم وهو واقفٌ فى أروقة المطار مودعاً لحبيبه يبكي فراقه تسعفه كلمات ورثها ليوظفها - هنا - وينعي بها نفسه قائلا : إنما الهوى من النوى ، فيجهش بالبكاء وتزداد درجة حرارة جسده المنهك ارتفاعاً ، واضطراداً ترتفع معها مؤشرات مشاعره إلى أوجها، فلا تكفيه عبارته السابقة رثاءاً له وتعبيراً عما يختلج في صدره ، فيسارع في البحث عن موروثٍ آخر يفجر المشاعر ويأججها قائلاً : بل إنما البعد يزيد القلب ولوعاً . فترثي لحاله ظناً منك أنه لن يطيق الفراق أكثر من سويعات ! .وهو نفس الشخص تلقاه بمحض الصدفة وسط زحام الحياة راكضاً وراء ذلك الشيء الذي هو لا شيء فتستوقفه في لحظة( متعجلة ) حين يرتطم الوجه بالوجه والصوت بالصوت لتسأله كيف أصبح حاله بعد ذلك اليوم العصيب ؟ فتراه ينظر إليك متعجباً وفي عينيه حيرة قد تسبب فيها سؤالك المبهم ؟ فتوضح له قائلاً : يوم المطار .. فيقاطعك ضاحكاً على خفة دمك المعهودة ومبالغاتك الظريفة قائلاً لك : إنما البعد جفاء ! ، والبعيد عن العين بعيدٌ عن البال ! ... حتى ينتهي بعباراتٍ دعائيةٍ يذيل بها كلامه عن مودِعه من باب الوفاء لذلك الحبيب الغائب ! ثم يلوح لك مكملاً جريه المارثوني نحو أعباء الحياة اليومية ، و تجري الأيام ويجري معها .. حتى يصلا معا ًإلى لحظة عودة ذلك الحبيب الغائب ( المنسي ) فيجترأ الذكريات ، ويسترجع الأحداث ، و يستعييرالمآقي الدامعة ، ويرتدي عواطفه من خزائنه ، آملاً أن يكون المستقبِل أكثر صدقاً ولهفة من الآخر المودِع ! ... فطواحين الحياة وكثرة الأعباء وجفاء القلوب قد ينعشها لحظات إنسانية خاطفة عاشت من جديد .. ورودٌ وابتسامات ، وحفاوة وترحاب تنتظر ذلك الغائب المنسي فنتذكر وقتها أننا بشرٌ غير البشر الذين استنسختهم ،متطلبات الحياة العصرية حتى أصبحنا عبيداً من نوع خاص في صورة أحرارٍ يبتسمون للتقنيات ، ويركبون الحضارة ويحسنون طرح العواطف وارتداء المعاطف ، ويعبدون كل ما هو مخمل وحرير ودينار

وللغائب العائد لا تنسى بعد الترحاب وواجب الضيافة العربي ! أن تزور - أنت وهداياك - يوماً وتدع أياماً طوال

وتذكر.. غب وزر غباً تزد حباً * فمن أكثر الترداد أضناه الملل



.. ودُمتم

Friday, March 09, 2007

! فلسفة المصائب

قد تشعر فى يوم ما أن هناك لحظة خوف من مجهول ما تنتظرها .. تعلم بقدومها كمسافر ترقب مجيئه يوماً ما ، هو لن يخبرك بموعده ويعرفك بذاته ؛ لأنك ستعلم بقدومه من تلقاء نفسك حين تشعر ببرودة جسمك ،وارتعاد فرائصك ،وتيبس مفاصلك ،وانحباس عبراتك حتى تكاد تخنقك حشرجات صوتك المسجون فى جوفك ،ودقات قلبك التى للحظة توقفت! فتعلم حينها أنك في موعد مع المجهول المرتقب !ومهما كان متأنقاً في قدومه منبسط الوجه ، تبقى انبعاث رائحة الفاجعة تفوح منه حتى تكاد أن تغثيك .أعلم أن وقوفي صامدة ، ثابتة القدمين بدون أن يختل توازني ، أو تنطلق صرخات قلبي مدوية فى الأرجاء حدثاً بطولياً لا أستحق وسام شرفه ولكنها الفاجعة التي تخرس ألسنه المحدثيين ، وتذهب ألباب العقلاء ، حتى لايبقى أمامك سوى الرضا وتقبل قضاء الله وقدره كطريقٍ آمن للنجاة ؛ فيعظم لك أجراً ويغفر لك ذنباً ، ويخفف عنك مصابك بإنزال الصبر ؛ ليثبت قدميك فوق الأرض حاملة جسدك المنهك من الإعياء كما الفارس الشجاع تراه واقفاً في ساحة الوغى يرحب بضربات السيف ورميات القوس وطعنات الخنجر رابط الجأش مبتهجاً جذلاً بدماءه التي تزفه إلى عرسه السماوي !.هي الطاقة الإيمانية تشحذ عقولنا وأرواحنا وأجسادنا وتعبئنا تعبئة كاملة لتقبل أقدار الله برضا وصبر فعجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير ، كما أخبرنا رسولنا الحبيب عليه السلام حيث قال " عجبت لأمر المؤمن إن أمره كله خير إن أصابه ما يحب حمد الله وكان له خير وإن أصابه ما يكره فصبر كان له خير وليس كل أحد أمره كله له خير إلا المؤمن ".يقال أن توقع الشيء أمرٌ وحدوثه أمرٌ آخر ،وأرى أن حدوثه في ظل رحمة الله ورعايته أهون بكثير من انتظاره محاطاً بوساوس وتخيلاتٍ من كل ما هو مرعبٌ ومخيفٌ ومظلم .. ولك أن تلاحظ الفرق !.ففي لحظاتٍ قد نبدو أهون من ورقة خريفٍ أنهكتها فصول السنة المتعاقبة ، ولعلها نفس اللحظات بنفحات إيمانية نبدو معها أصلب من سيف صقيل !.هي قوانين الله في أرضه تشرع لنا النموذج الأمثل للحياة فمن رضى وعمل فاز وأفلح ، ومن سخط وعصى خاب وخسر ، - فاجعلنا يا الله ممن رضوا بقضائك وعملوا لمرضاتك -نعم نشتاق ( الآن ) بعد الاندمال الجزئي للجروح الغائرة في قلوبنا وأرواحنا ، ونرتجف للذكرى ، وتدمع مآقلنا ، وترحل قلوبنا مع أيامٍ تحمل في طياتها أحبةً وأمكنةً ، و روائحَ مسكٍ وعنبر ، وكلماتٍ قيلت من ذهب ، ولمسات حانية ، وابتسامات تخبرك بالحب ، وتعرفك على معنى الأمن والأمان ، وهمسات قلب ٍ تشعرك بمقدار أهميتك عنده ؛ حتى تكاد تصدق أنك أمير ذلك القلب ومالكه ، والحقيقة أنه هو آسرك بحنانه وحبه وعطفه وعطاءه الجزل ، وساحرك بنبضاته التي تسمعك أعذب ألحان الحياة ؛ فتلمع عينيك وتضحك كطفلٍ هدهدته ملائكة الله فيتعجب من حولك فى فضولٍ حين لا يعلمون أنك قد أطلقت قلبك وعقلك وروحك في رحلة لا تعرف الحدود مع حبيبٍ تخلد روحه الطيبة بين أرواح عباد الله الصالحين ، وتسرح في جنان الله والنعيم ..رحمك الله يا والدي ! ، وجعلك فى قربى من رسوله الكريم ، وبشرك بروح وريجان وجنة نعيم وربٌ راضٍ غير غضبان وجمعني بك في جنات النعيم . آمين
25-1-07

Saturday, March 11, 2006

!! سكتة طابورية

استيقظت باكراً وذهبت لأحضر خبزاً .. ولكني اكتشفت مؤخراً أنني أخطأت حين تبرعت للذهاب ؛ فقد وجدت طابوراً يمتد من عند الخباز حتى آخر الشارع .. ومع ذلك يجب أن تقف في الصف !، وأنت وقدرك ، فقد يحين دورك فلا تجد ! خبزاً ، أو قد تصل فتجد نفسك قد انحرفت عن طابور الخباز إلى طابور اللبان من يدري
بعد ساعات .. ذهبت لأدفع فاتورة الهاتف باكراً، فوجدت هناك طابوراً أكبر وأعظم من طابور الخباز! في باديء الأمرظننت أن الناس جاؤا لتقديم شكاوى على خدمة الهاتف ، ولكنني اكتشفت أنه طابور الدفع ! - كنت أظن الناس لا يدفعون فواتيرهم إلا بعد التهديد وقطع الخط! - وبعد ساعات أخرى وصلت عند موقف الباص لأركب ( سرفيساً )لا أحب انتظار الباصات إلا لو كانت مكيفة! ، عندما وصل أول سرفيس تساقطت عليه أمة محمدية وكأنه يوم الحشر الأعظم ! لم أفهم من أين أتوا، ولا كيف هطلوا ؟! ثم علمت أنه كان هناك طابوراً للسرفيس ، ثم اكتشفت أنني أقف بفعل
قانون الجذب والدفع فى طابور الباص ! فاجهشت في البكاء
!فى نهاية الأمر وصلت إلى الجامعة .. كيف ؟ بمساعدة أولاد الحلال
و في الجامعة .. طابور آخر .. ، ولكنه هذه المرة من أجل استلام كتب الجامعة حيث أنه تم التهديد من قبل .. أنهم غير مسؤولين عمن تأخر في الشراء حتى نفاذ الكمية ! وبرغم أنني أدفع ! ولا أتسول لكن للدفع أيضاً أصول !.. وللأسف اكتشفت بعد مضي أسبوع أن الكتب موجودة ولا يوجود طابور!! .. ليتني ذهبت لشراء الكتب متأخراً. أيام المدرسة كنت أحبذ المجيء ؛ متأخراً حتى لا أقف في طابور الصباح ، فأصل إلى المدرسة وقت صعود الطوابير، فأشعر بنشوة الانتصار؛ عندما أرى الأرق والتعب يكاد يفتك بزميلاتي من الوقوف تحت وقدة الشمس ! - أكيد كن يحسدنني -
!ولكن أحياناً كثيرة كنت أضطر لحضور عقاب طوابير الصباح المدرسية ؛ حتى لا أحرم من الحصة الأولى
وفي ذات يوم ذهبت إلى المشفى وعندما أردت الدفع من أجل الكشف قالوا لى : عند هذا الطابور ، فصرخت قائلة
لأمي : أظنني شفيت ! وانطلقت في سرعة البرق خارج المشفى وحينها شعرت بالشفاء التام
بعيداً عن طابور شراء الكتب الجامعية - فهو خارج المنافسة - وتلك المعركة التى أخرج منها بكتاب مقطوع ، وكتب تحت الأنقاض ، وثياب تهترأت وسط الزحام ، هذا غير جذب الحقيبة .. وأنا وقدري إما أن أحصل عليها ، وإما أن يتوفاها الله فى تلك الملحمة العلمية .. المهم أنني أحاول الصمود للخروج بأقل الخسائر البشرية والمادية ! - لو سألتموني أي الطوابير أكرههم لقلبي لقلت : طابور الجوازات حقاً هو طابور الذل البشري ! خاصة عندما تسمع جملة (الأجانب من هنا ) .. فيقشعر بدنك وتشعر أنك شيء أجرب ، لذلك أحبذ الذهاب وقت إقلاع الطائرة فأقف في طابور ليس فيه إلا أنا ، والكل يفسح لك الطريق ويأخذ منك الحقائب ، ولا يسألونك عن الوزن الزائد ، بل لعلك تجد مكانك قد أخذه آخر من أصحاب قائمة الانتظار فيضطرون لحجزمقعد لك في الدرجة الأولى !، هذا بالإضافة إلى الباص الخصوصي الذي يتم استدعاؤه من أجلك أنت ليقلك إلى الطائرة ، ليس هذا فقط فعندما تصل إلى الطائرة تجد الكابتن ينتظرك للإقلاع! وعدوا المميزات
عموماً اذهبوا دائما متأخرين فأنا عندما ( استيقظت باكرأ ، ودفعت الفاتورة باكراُ ، واشتريت الكتب باكراً ) ذقت ذل الطوابير
وإن كانت هذه القاعدة لا تجدي نفعا أحياناً ، فقد ذهبت يوماً لإحدى المطاعم وعندما أردت أن أطلب الطعام طلب مني النادل أن أ أخذ رقماً في الطابور! .. يا ويلتي .. أصبحت لا أدرى إن كان عند صانع الماس طابوراً أيضاً أم لا ؟! لم
! أجازف بالتجربة لأن الطبيب حذرني من سكتة طابورية أخرى
!لكن ... اعلموني أين لا أجد طابوراً وسأذهب فوراً ، حتى لو استدنت ورهنت الدار
!.. فقط اعلموني

.. ودمتـم

Friday, March 10, 2006

مراسم تأبين

كنت أعتقد أن القلم لا يموت إلا بوفاة صاحبه ! ونسيت أن لكل قاعدة شواذ ، بل لعل ما ظننته أصلاً كان هو المستثنى منذ البدء!بدون سابق إنذار تموت الأحلام في بركة الآلآم .. لعل الأحلام تهجر من لا يتقن صناعة الأحلام .. احتمال !واحتمال أن نستيقظ يوماً ما على أصوات القنابل فنجزع ! ، فتبادر أذهاننا بالتبرير المُسَكِّن لجزعنا ، فنقول : أصواتٌ لألعاب الأطفال .. ما أشقاهم! حقاً ما أشقاهم ، وما أتعسنا ..احتمال أن نكون نحن العرب العاربة والمستعربة أبناء قابيل ؛ فتُنسب إلينا كل جريمة مبتدعة بالوراثة ! ، ولعل أبناء الشعب المختار - لسُكنى قاع جنهم - هم من النسل الذي أن بسطت إليه يدك لتقتله ما هو بباسط يده إليك ليقتلك ؛ لتبوء بإثمه وإثمك !، واحتمال أن العراق تملك أسلحة نووية ، ولكنها خبأتها في ثنايا أمريكا ؛ حتى لا يتم العثور عليها ! ، احتمال أن يكون ركاب العبارة من أصحاب الوزن الثقيل ، فلما زادت الحمولة استهموا فخرج اسم ( ألف ضحية ) فأُلقي بها في يوم عيد الحيتان ، احتمال أن مبارك لا يفكر البته فى توريث الحكم واحتمال أكبر أن الابن سيرشح نفسه في انتخابات رئاسية ( نزيهة ) ،احتمال أن الأطفال الذين يموتون كل يوم من قرصة جوعٍ أو بردٍ مستهترون يلقون الغطاء ليلاً ويبسقون الطعام نهاراً..احتمال ! واحتمال أننا شعبٌ لئيم إذا أكرمته تمردا ، ولم لا .. ونحن شعبٌ لا يتقن إلا النقد لولاة الأمور حين يهينون كرامتنا ! كيف لو أكرموا آدميتنا ..؟!احتمال أن تكون آفاق عربية - الجريدة المصرية الحرة- أُغلقت لأنها تجاوزت آداب الحديث عن الكبار ، فمارست في حقهم الغيبة والنميمة والكذب والبهتان !احتمال أن نغدو يوماً بأبخس الأثمان ، وبلا كسرة خبز ورشفة ماء ، بلا كساء ودواء .. بل بلا هوية عربية ، احتمال أن تكون جميع الأخبار التي أسمع .. دعابة سمجة ، احتمال أن منظمة حقوق الإنسان تتحرك فور وصول الخبر إليها ، ولكننا لا نملك تقنية الاتصالات الحديثة ! احتمال أن يوماً .... لعله يحدث من يدري ! استغفر الله ، ما هذا الهذيان ؟!! ، لا لا احتمال أنني أعاني شيخوخة الهوية العربية .. لا بل أكيد .وحتى تصبح الاحتمالات منفية أو مثبتة ، أعتقد أنني لن أكتب ولن أبوح ، ربما أريد أن أكتب الفراغ ، وأعد للقلم مراسم دفنه . سأدعو الحبر والمحبرة ، والورقة والدفتر ؛ لعزاءٍ كعزاءِ الملوك ، إلا إنني في حيرة من أمري أ أعلن العزاء رسمياً ؟ .. أصابعي وأفكاري في الدار لعلهم إذا علموا حضروا ! لا أُحبذ مجيء الشامتين .. حتى السطور تدق الباب ، والأحرف والتشكيل ، يا الله ، تسرب الخبر!! حسناً
!! إن كان لابد سأجعله تأبيناً رسمياً وببطاقات دعوة منعاً للإحراج
.. ودمتـم

Tuesday, February 14, 2006

!! مسلسل الإهمال .. ساري العرض

أدمى قلبي وضع جثث الموتى في أكياس ( قمامة ) وعدم توفر أكياس طبية لوضع الموتى فيها ! - مهانة في الحياة وبعد -الممات


أدمى قلبي أن تكون حياة المصري الكااادح .. رخيصة لدرجة شراء سفينة خردة !! انتهت صلاحيتها منذ عام 1990 طبقاً للقانون ! وليس هذا فحسب .. بل وبناء ثلاثة أدوار زائدة بورش ترسانة بور سعيد .. حتى يزيد من حمولتها فتغرق

!..وبالهناء والشفاء لحيتان البحر


أدمى قلبي أن يُلقى لأهل المتوفى ثلاثون ألفاً.. ليسكتوا ، ولينسى الشعب جرائم الحكومة ، بل ويصفقوا لها ... حياة تساوي ثلاثون ألفاً .. ما أرخصها !! - أرخص من سعر السيارة ! - في حين أقرأ .. أن التعويض الذي تحصل عليه أسرة المتوفى وفقاً للقوانين المنظمة للتأمين على السفن لايقل عن 220 ألف دولار
العبارة 95 ، العبارة 98 ، سقوط طائرة مصر للطيران ، حريق قطار الصعيد .. أرى أن مثلث برمودة انتقل ليعيش في أحضان الحكومة المصرية حيث وجد فيها أرضاً خصبة للإهمال والكوارث
!..عزائي يامصر


!لك الله يا بلدي